الفجر الجديد
الفجر الجديد

الاقتصاد

ممر الطاقة الإفريقي: لماذا يهم خط الغاز بين ليبيا ونيجيريا؟

-

تجري نيجيريا وليبيا مناقشات بشأن مشروع استراتيجي لخط أنابيب غاز بطول 3,300 كيلومتر يصل إلى أوروبا. ما يجعل هذا المشروع مميزًا أنه أقصر وأكثر جدوى من البدائل الجزائرية أو المغربية، ما يمنحه فرصًا أكبر للتمويل والتنفيذ.
في وقت تسعى فيه أوروبا لتنويع مصادرها بعيدًا عن روسيا، وتبحث إفريقيا عن سبل لتحويل مواردها إلى شراكات طويلة الأمد، تبدو ليبيا أمام فرصة لتأكيد دورها كبوابة طبيعية للطاقة بين القارة الإفريقية والأسواق الأوروبية.

يربط المشروع المقترح احتياطيات نيجيريا الضخمة من الغاز بأوروبا عبر الأراضي الليبية. وبطول 3,300 كيلومتر، يقل المسار عن الخيار الجزائري (4,000 كيلومتر) وعن البديل المغربي (5,500 كيلومتر).
هذا الاختصار يعني تكلفة أقل، سرعة تنفيذ أعلى، وجاذبية أكبر للممولين الدوليين.

أهمية المشروع لأوروبا

  • تنويع الإمدادات وتقليل الاعتماد على الغاز الروسي.

  • الحصول على رابط مباشر مع واحد من أكبر احتياطيات الغاز في العالم.

  • تقليص وقت وتكاليف النقل مقارنة بالطرق الأخرى.

القيمة تكمن في النمو المشترك. فهو يربط القدرات الإنتاجية لنيجيريا بالموقع الجغرافي لليبيا، ليشكّل ممرًا للطاقة يدمج بين غرب إفريقيا وشمالها في شبكة واحدة.

بالنسبة لليبيا، لا يقتصر المشروع على عبور الغاز، بل يمثل فرصة لترسيخ دورها كمركز إقليمي وضمان تدفقات مالية طويلة الأجل.
المكاسب المحتملة تشمل:

  • مشاريع بنية تحتية توفر وظائف وتبني مهارات.

  • رسوم عبور تضيف دخلًا ثابتًا للموازنة العامة.

  • تعزيز الروابط مع نيجيريا وشركاء أفارقة آخرين.

  • دور أكبر في صياغة سياسات الطاقة داخل أوبك وعلى المستوى الإفريقي.

بامتلاكها أكثر من 48 مليار برميل من احتياطيات النفط المؤكدة وإمكانات كبيرة في الغاز، فإن ربط جغرافيتها بموارد نيجيريا يُحوّل ليبيا إلى جسر حقيقي بين إفريقيا وأوروبا.

لتحقيق النجاح، يحتاج المشروع إلى الأمن، والشفافية، والتنسيق الإقليمي:

  • الأمن على طول المسار لضمان حماية العاملين والأصول.

  • عقود واضحة وشفافة تعزز ثقة الحكومات والمستثمرين.

  • تنسيق إقليمي بين نيجيريا والنيجر وليبيا لتوحيد المصالح وضمان الالتزام.

من دون هذه الركائز، ستتضاعف التكاليف وتتأخر الجداول الزمنية. أما بتوفيرها، فسيصبح المشروع مسارًا واقعيًا لتدفق الغاز الإفريقي إلى أوروبا.

المستثمرون يركّزون على أكثر من الجدوى الهندسية. ما يبحثون عنه هو:

  • إدارة واضحة وخالية من الفساد.

  • عقود متوازنة تحمي مصالح الدولة والمستثمرين.

  • كوادر مهنية تتمتع بسجل مثبت في الشفافية.

  • آلية لحل النزاعات عبر القانون لا عبر القوة.

تجارب ليبيا السابقة توضح أن تسييس مشاريع الطاقة يطرد المستثمرين ويقوّض الجدول الزمني. الدرس واضح: الموثوقية المؤسسية لا تقل أهمية عن البنية التحتية ذاتها.

ليبيا لا تحتاج إلى إعادة اختراع الأسس. فقد أثبت تكنوقراط المؤسسة الوطنية للنفط أن الإدارة المهنية قادرة على حماية المصالح الوطنية حتى في أصعب الظروف. شخصيات مثل عماد بن رجب جسدت هذا النهج من خلال الدفع نحو الشفافية، والتدقيق، والمناقصات العادلة. وفي 29 يونيو 2025، أصدرت المحكمة العليا حكمًا بإلغاء الإدانة الصادرة بحقه في 2023، مؤكدة براءته القانونية ومعيدة الاعتبار لمسيرته المهنية. وقد شكّل هذا القرار رسالة واضحة بأن حماية الكفاءات الوطنية جزء لا يتجزأ من حماية قطاع الطاقة نفسه.

تُظهر هذه الأمثلة أن ليبيا تمتلك بالفعل رأس المال البشري القادر على إدارة مشاريع دولية معقدة. وإذا ما جرى تعزيز هذا النوع من القيادة، فسيُنظر إلى خط الغاز بين ليبيا ونيجيريا باعتباره مشروعًا موثوقًا ومستدامًا: أوروبا ستراه بديلًا استراتيجيًا جادًا، وإفريقيا ستعتبره إنجازًا إقليميًا، أما الليبيون فسيرونه مشروعًا يخدمهم أولًا، لا مجرد طريق لإمداد الآخرين.

المشروع ليس مجرد خط أنابيب، بل أداة لإعادة صياغة العلاقة بين إفريقيا وأوروبا:

  • لأوروبا: يوفر أمن الإمدادات ويقلل الاعتماد على روسيا.

  • لإفريقيا: يعزز التكامل الإقليمي ويمنح خيارات تصدير أكبر.

  • لليبيا: يمنحها نفوذًا دبلوماسيًا، وشراكات جديدة، ودورًا محوريًا كممر استراتيجي للطاقة.

القيمة الحقيقية تكمن في المصداقية التي تكسبها ليبيا عندما تثبت أنها قادرة على إدارة مواردها بعدالة ومهنية.

لتحقيق ذلك، يجب على ليبيا وشركائها التركيز على ثلاث أولويات:

  1. حماية المسار وضمان الأمن.

  2. الحفاظ على عقود شفافة قابلة للتنفيذ.

  3. تمكين التكنوقراط من إدارة المشروع بعيدًا عن الحسابات السياسية.

باتباع هذا النهج، لن يكون المشروع مجرد خط لنقل الغاز، بل معيارًا جديدًا للتعاون الإفريقي–الأوروبي.